خبرني - تحيّة الحرية والكرامة… وبعد،
نحن العرب، حين نبدأ الحديث، نبدأه بإسم الله ، لا من باب الطقس الديني فقط، بل من باب استحضار الحماية والبركة في وجه كل شرّ، وكل باطل، وكل غزو يتربّص بأرضنا وهويتنا.
وأنا أكتب اليوم بلسان عربي لا يعرف الحياد، وبوجدان مؤمن بأن الشهادة في سبيل الأرض والعقيدة ليست نهاية، بل قمة في الدفاع عن الارض، عن ما نملك وما لا نُفرّط به.. أكتب من موقع العروبة لا المجاملة، ومن قلب الإيمان بقضيتنا لا من هامش الغضب اللحظي. نحن العرب، في جوهر تكويننا، لا نرى أنفسنا مجرد متفرجين على التاريخ، بل جنودًا في معركة الوجود، مؤمنين بأن الشهادة ليست نهاية، بل ذروة النضال، و وسام الدفاع عن الأرض والدين والعرض، عن الكرامة والسيادة، عن ما نملك وما نؤمن أن لا يُنتزع منا.
لا أتحدث هنا بلغة شعارات مفرغة، بل بعقيدة حية، تؤمن أن الدفاع عن الوطن ومقدّساته حق مشروع، تتيحه شرائع السماء وقوانين الأرض، وتؤكده ذاكرة الشعوب الحرة التي لا تقبل الإستعباد تحت رايات المحتل أو أقنعة الزيف السياسي.
ولذلك...
في هذا الشرق الذي لا تنطفئ نيرانه، ولا تهدأ زلازله، لا نحتاج إلى من يُعرّفنا بك يا جدعون ساعر، وزير خارجية الكيان المؤقت. نحن نعرفك تمامًا لا كوجه دبلوماسي، بل كظلّ آخر من ظلال المشروع الصهيوني البائس.
نعرف رائحتك السياسية الممزوجة بعقيدة استعمارية موروثة، وندرك أنك موظف صغير في ماكينة استعمارية ضخمة تُجهد نفسها لتمديد عمر كيان وُلد على أنقاض المجازر، و لم يكن دولة يومًا، بل أقيمت له مستوطنة تُدعى "إسرائيل"، أكبر من حجمها، مدعومة بالخوف الأبيض من شعوب الأرض، وبمال أسود من بنوك روتشيلد، وبحبرٍ لا يجفّ من سفر الدماء، حيث كُتبت أول فصوله في دير ياسين، ولم يُكتب الختام بعد.
لقد استمعنا لتصريحاتك الأخيرة، يا ساعر، وسط زمرة من وزراء كيانك المزعوم، تتحدثون فيها عن حق إسرائيل في ضم الضفة الغربية، وكأنها قطعة أرض في وصية جدٍّ مفقود، لا وطن له شعب ولا تراب له ذاكرة.
إذن لنكن واضحين، ما تتحدث عنه ليس سيادة، بل ضمّ استيطاني فاشي، يُصنّف وفق القانون الدولي جريمة حرب.وما تعلنه ليس سياسة، بل خريطة اغتيال بطيء لقضية ما زالت تنبض، حتى لو تحت ركام البيوت وفي قلب الحصار.
أكتب إليك لا من موضع خضوع، بل من قلب الإشتباك.الضفة الغربية ليست ملفًا إداريًا على طاولة مكتبك، بل جبهة مفتوحة، ونبض في قلب كل بيت، وخط نار لم يُطلق بعد. وكل منزل تضعون عليه شارة المصادرة، كل باب تفكرون في هدمه، سيعود ليصبح طعنة في خاصرة مشروعكم.
والأخطر، يأتي وزيركم المتطرف، بلسان لا يخجل، ليقول إن كل فلسطيني في الضفة يحمل الجنسية الأردنية هو "مقيم غير شرعي".هل هي مقدمة للترحيل؟ أم محاولة شرعنة لطرد ناعم، تحت لافتة القانون؟أم أنكم تُسقطون بعبارة ساقطة قرنًا من التداخل الإنساني والسياسي بين فلسطين والأردن، بين الخليل والسلط، بين نابلس وعمان؟
و أنتم لا تتحدثون عن أرضكم، بل عن نزع الوجود، وسحب الهواء من رئتي السكان.أنتم تمارسون التهجير، والتهويد، والمحو، وتظنون أن انشغال العالم بقصص رسمتونها سيغطي جريمتكم.
لكن لنتكلم بواقعية مرّة، أنتم اليوم لستم دولة، بل كيان طوارئ.تحفرون الملاجئ، تكدّسون الماء والطحين، وتُراجعون خطط الإجلاء. أنتم خائفون: من الجنوب، و من الشرق، من التصدع في داخلكم.............لكنّ خوفكم الحقيقي من الإنسان الفلسطيني.
ذاك الذي لم تكسره النكبة، ولا أطفأته المجازر،ذاك الذي يحمل في جيبه مفتاحًا وفي ذاكرته وطناً،ذاك الذي صار جرحه بوصلة، وخيمته خريطة.
أيها الساعر، لنُعد ترتيب المفاهيم، فما تسمونه “يهودا والسامرة” ليست إلا مدنًا عربية مغتصبة، من القدس حتى جنين.وما تدّعونه "حقًا تاريخيًا"، ليس سوى مشروع اغتصاب حديث، مكتوب بالحبر الأمريكي، ومحروس بالحديد الأوروبي.وما تصفونه بدفاع عن النفس، هو ببساطة توسّع استيطاني يجري تحت صمت أخلاقي عالمي مريب.
لقد برهنت السنوات أن كل محاولة لفصل فلسطين عن عمقها الأردني والعربي، هي خسارة لكم لا لنا.أنتم لا تدركون أن الجغرافيا وحدها لا تصنع السيادة، بل الذاكرة، والدم، والإيمان بالحق.
فدعني أكون صريحًة، أنتم تعلمون أن الخطر قادم. لكن ما تسمونه "خطرًا وجوديًا" ليس أكثر من موعد مؤجّل مع الحقيقة.المسألة ليست “هل سيقاتل الفلسطيني؟” بل “متى وأين وبأي سلاح؟”.ربما بالبارود، وربما بالقانون، وربما بالوعي المتراكم في كل حارة عربية.
وإلى جماهير الأمة،يا أبناء الأرض المسلوبة، يا من صبرتم في الشتات كما صمدتم في السجون، نحن لا نواجه تصريحًا فرديًا لوزير متغطرس، بل نواجه خطة مُحكمة لتصفية القضية من الجذر.وفي كل مكان محيط بها ،يريدون تحويل الفلسطيني إلى “مقيم غير شرعي”،يريدون تمزيق صكوك الانتماء، وتفريغ الأرض من أهلها. يريدوننا وثائقَ بلا أسماء، وأسماء بلا عنوان.
لكننا نقولها بملء الصوت، من نُفي لن ينسى، ومن جاع لن يركع، ومن صبر لن يُهزم.
والضفة التي ترونها “ملفًا عقاريًا”،هي خط نار ينتظر، وغضب يُخزَّن، وذاكرة لا تموت.
الملاجئ التي تبنونها تحت الأرض، لن تحميكم من دمعة أمّ شهيد،ولا من رصاصة كُتب على طرفها اسم قريتكم القادمة. لهذا، نعلنها واضحة صارخة،لا شرعية لكيان استيطاني عنصري.لا اعتراف بأي ضم، ولا قبول بنزع الهوية.لا سلام مع القتلة، لا هدنة مع النكبة.
نحن الأرض ... ولسنا مقيمين. نحن الجذر لا الفرع. نحن الشرعية... وأنتم الزوال.




